::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: :::::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: ::: :::
قدم علينا موسم عظيم وشهر كريم، له وقع خاص على قلب كل مسلم إنه سيد الشهور شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، شهر الراحة النفسية والطمأنينة القلبية.
شهر تصفو فيه النفوس من داخلها، وتقرب فيه القلوب من خالقها، وفيه مجاهدة النفس فيما يرضي الله - عز وجل -، وتربيتها على قوة الإرادة والعزيمة.
وفيه تطهير النفس من الأخلاق السيئة وتعويدها على الأخلاق الحميدة.
وهو شهر التخلص من النزعات الذاتية والملذات الآنية، والتقليل من شهوات البطون والفروج، والمسارعة في القربات، والمنافسة في الطاعات، والمسابقة بالأعمال الصالحات، وهو شهر التوبة النصوح والرجوع إلى الله، وتقوية وازع الإيمان وإضعاف كيد الشيطان، وهجران المعاصي والذنوب، والبكاء على ما سلف وكان من الخطايا والسيئات، وفيه يطهر البدن من الأخلاط الرديئة، والأمراض العديدة، فهو شهر النشاط والقوة والصحة.
من خصائص رمضان:
1- أنه شهر الصيام: يقول : (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)(1).
2- أنه شهر القرآن: يقول الله - تعالى -: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى" والفرقان(185) البقرة: 185.
3- أنه شهر التقوى وطاعة المولى: يقول الله - تعالى -: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون 183 البقرة: 183.
4- أنه شهر الصدقات والإحسان: كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فالرسول أجود بالخير من الريح المرسلة(2).
5- أنه شهر مضاعفة الحسنات: روي عن الرسول أنه قال: "يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك...من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه.... "(3) ويقول : "عمرة في رمضان تعدل حجة"(4).
6- أنه شهر القيام: يقول : "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(5).
7- أنه شهر العتق من النيران: يقول : "ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة"(6).
8- أنه شهر فيه ليلة خير من ألف شهر: يقول الله - عز وجل -: إنا أنزلناه في ليلة القدر 1 وما أدراك ما ليلة القدر 2 ليلة القدر خير من ألف شهر 3 القدر: 1 - 3 وهي ليلة من أفضل الليالي أنزل الله فيها القرآن، وأخبر - سبحانه - أنها مباركة، وأنه يفرق فيها كل أمر حكيم كما قال - سبحانه -: حم" 1 والكتاب المبين 2 إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين 3 فيها يفرق كل أمر حكيم 4 الدخان: 1 - 4
من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ذنبه يقول : "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(7) وقيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير(8).
9- أنه شهر تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران: يقول : "إذا كانت أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وغلقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب"(9).
10- أنه شهر تصفد فيه مردة الجن: يقول : "أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطها أمة من قبلها... ويصفد فيه مردة الجن فلا يصلون فيه إلى ما كانوا يصلون إليه في غيره"(10).
11- أنه شهر يغفر فيه لعباد الله الصالحين آخر ليلة: يقول : "أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطها أمة من قبلها.. ويغفر لهم في آخر ليلة" قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟: قال: "لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله"(11).
12- أنه شهر البركة والرحمة وحط الخطايا واستجابة الدعاء: يقول : "أتاكم شهر رمضان شهر بركة يغنيكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء"(12).
شهر هذه بعض فضائله وفوائده وخصائصه لماذا يقدم علينا ويرتحل عنا والبعض منا لم يستفد منه؟ فحال بعضنا في رمضان كحاله قبل رمضان إن لم يكن أسوأ.
إن هناك خللاً في صومنا فأين الخلل؟
الخلل - والعلم عند الله - أننا نصوم ولكن ليس الصيام الكامل، فالصيام الكامل له مقومات من أهمها:
1- أن يكون صيامنا صيام عبادة لا صيام عادة:
البعض يصوم رمضان ولكنه يصوم عادة وليس عبادة، والرسول يقول: "إنما الأعمال بالنيات"(13).
يقول فضيلة الشيخ صالح الفوزان: "من صام رمضان تعبداً لله، وطاعة له، حصل على أجره وثوابه، ومن صامه عادة لا عبادة فليس له أجر عند الله... فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه وصواباً على سنة رسوله (14). ولذا رتب الأجر الكبير الوارد في فضل الصيام على الإيمان والاحتساب يقول النبي : "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(15)، قال الحافظ ابن حجر: (16)"والمراد بالإيمان الاعتقاد بحق فرضية صومه وبالاحتساب طلب الثواب من الله - تعالى -، ونقل عن الخطابي قوله: (احتساباً) أي: عزيمة وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه". ومما يؤكد هذا المعنى ما ورد في الحديث الآخر حيث رتب الثواب على الصيام الذي يترك العبد شهوته وطعامه وشرابه من أجل الله يقول قال الله - تعالى -: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي"(17). "إنما يذر شهوته وطعامه من أجلي"(18) قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: "وقد يفهم من الإتيان بصيغة الحصر في قوله: إنما يذر" التنبيه على الجهة التي يستحق بها الصائم ذلك وهو الإخلاص الخاص به حتى لو كان ترك المذكورات لغرض آخر كالتخمة لا يحصل للصائم الفضل المذكور"(19) فليحرص المسلم على أن يكون صيامه خالصاً لله - عز وجل -، يريد به ثوابه ورضاه - سبحانه وتعالى - حتى يكون لصيامه أثر نافع عليه.
2- صيام الجوارح:
لفقه السلف - رضوان الله عليهم - للحكمة من مشروعية الصيام، والغاية منه، كانوا إذا صاموا جلسوا في المساجد يقولون: "نحفظ صومنا" فليس المقصود من الصيام، الصيام فقط عن الطعام والشراب والجماع، ولكي يكون للصيام أثر علينا لابد من صيام الجوارح: اللسان، والعين، والأذن قال بعض السلف: "أهون الصيام ترك الشراب والطعام". قال جابر: "إذا صمت فليصم سمعك ولسانك وبصرك... ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء"(20).
ويقول النبي: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه"(21)، المراد بالزور: الكذب، وبوب أصحاب السنن على هذا الحديث أن المراد به الغيبة ونقل الحافظ ابن حجر - رحمه الله -(22) عن البيضاوي قوله: "ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش بل ما يتبعه من كسر الشهوات، وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول" ويقول فضيلة الشيخ ابن جبرين: "فالله - تعالى -ما كلفك أن تترك الطعام والشراب إلا لتستفيد من هذا الترك، فتترك الرفث، وتترك الفسوق، وتترك قول الزور، وتترك المعاصي المتعلقة بالنساء والجوارح، فإن لم تفعل ذلك، ولم تستفد من صيامك فالله - تعالى -يرده عليك، ولا يجزيك على عملك"(23)، وورد في الحديث الصحيح أنه قال: "رب قائم حظه من قيامه السهر والتعب ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش"(24) ويقول الإمام ابن رجب: "وسر هذا: أن التقرب إلى الله - تعالى -بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات فمن ارتكب المحرمات ثم تقرب إلى الله - تعالى - بترك المباحات كان بمثابة من يترك الفرائض ويتقرب بالنوافل"(25) وهذا حال بعض الصائمين يتقربون إلى الله بترك المباحات من طعام وشراب وجماع، ويرتكبون أثناء صيامهم أو بعد إفطارهم المحرمات، إن علينا إذا أردنا أن يكون لصيامنا أثر علينا أن نبتعد عن ما يجرح صيامنا، فلتصم العينان عن النظر إلى ما حرم الله، ولتصم الأذنان عن سماع ما حرم الله، وليصم اللسان عن ما حرم الله من غيبة ونميمة وكذب وسخرية واستهزاء. يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -(26): "الواجب على الصائمين وغيرهم من المسلمين أن يتقوا الله - سبحانه - فيما يأتون ويذرون في جميع الأوقات، وأن يحذروا ما حرم الله عليهم من مشاهدة الأفلام الخليعة التي يظهر فيها ما حرم الله من الصور العارية، وشبه العارية، ومن المقالات المنكرة، وهكذا ما يظهر في التلفاز مما يخالف شرع الله من الصور والأغاني وآلات الملاهي والدعوات المضللة"(26) يقول : "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم"(27).
3- الفرح بقدوم شهر رمضان:
ورد عن رسول الله أنه كان يبشر أصحابه بقدومه ويقول لهم: "جاء شهر رمضان بالبركات فمرحباً به من زائر وات"(28) وكان سلفنا رضوان الله عليهم من فرط شوقهم إليه يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان.
إن إدراك شهر رمضان نعمة عظيمة تستجوب من المسلم أن يشكر الله - تعالى -أن بلغه رمضان، وأن يسأله - سبحانه - الإعانة والتوفيق على إتمام الصيام، وأن يكون فرحاً مسروراً بقدومه، يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: "لا أعلم شيئاً معيناً لاستقبال رمضان سوى أن يستقبله المسلم بالفرح والسرور والاغتباط، وشكر الله أن بلغه رمضان ووفقه، فجعله من الأحياء الذين يتنافسون في صالح العمل؛ فإن بلوغ رمضان نعمة عظيمة؛ ولهذا كان النبي يبشر أصحابه بقدوم رمضان مبيناً فضائله وما أعد الله فيه للصائمين والقائمين من الثوب العظيم".
فكيف يكون لشهر رمضان أثر على من يستثقل قدومه ولا يفرح بوجوده فهو يعد لياليه ويحصي أيامه متى تنقضي وتذهب حتى ينطلق لشهواته ولذاته. أين هو من قوم كانوا يدعون الله قائلين "اللهم سلمنا لرمضان وسلم لنا رمضان، وتسلم من رمضان متقبلاً"(29) فيأيها المسلم كن فرحاً بهذا الشهر مستبشراً به مستأنساً به ونافس في صالح العمل، فاغتنم أيامه ولياليه، واستعن بالله على ذلك وكن مجتهداً، وكن صادق العزيمة قوي الرغبة في هذا الشهر.
4- استشعار خصوصية الشهر:
لشهر رمضان خصوصية عما سواه من الشهور، وكيف لا يكون كذلك وهو موسم عظيم للمحاسبة وميدان فسيح للمنافسة وتكثر فيه دواعي الخير وأسباب المغفرة؟! ولذا فإن من أدركه فلم يغفر له فيه فهو محروم غاية الحرمان، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صعد المنبر فقال: "آمين آمين، آمين، قيل: يا رسول الله إنك صعدت المنبر فقلت: آمين، آمين، آمين؟ فقال: إن جبريل أتاني فقال: من أدرك رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، فقلت: آمين. ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، فقلت: آمين. ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين"(30).
مظاهر سيئة في رمضان:
إن من مظاهر عدم استشعار خصوصية هذا الشهر: أن أصبح الإعلام في كثير من بلاد المسلمين من تلفاز وقنوات فضائية ميداناً للتنافس في عرض ما يخدش الحياء، وذلك من خلال إغراق المشاهد بكم هائل من الحفلات الماجنة، والمسلسلات التافهة، والأغاني الهابطة، والمسابقات السطحية، والسهرات الراقصة، وبالجملة ففيه عرض لبعض العري وفساد وإفساد، فما أثر هذه المشاهد على المسلم الصائم؟ إنها بلا شك مظاهر تقسي القلب، وتحجر الدمع، وتزيل الخشية من الرب، فكيف نريد أن يكون لرمضان أثر علينا وفينا عكوف على مشاهدة هذه المشاهد؟ اتخذنا رمضان موسماً للعصيان وإطلاقاً للبصر في المحرمات، وإرخاء السمع للأغنيات، ومشاهدة للفضائيات، لم نعرف للزمان قدراً ولا لرمضان شرفاً فجلبنا لأنفسنا الشقاء، وأذقنا أروحنا العناء، إن علينا إذا أردنا أن يكون لرمضان أثر علينا أن نهجر القنوات، وكل ما يعرض من المحرمات في أجهزة التلفاز وغيرها.
إن من مظاهر عدم استشعار خصوصية هذا الشهر: النوم طيلة نهاره فلا تلذذ بطعم الصيام، ولا إحساس بحاجة الفقراء، وأخطر ما في هذا النوم أنه يترتب عليه: إضاعة الصلاة، وعدم أدائها في وقتها، أو مع الجماعة في المساجد بالنسبة للرجال، والتهاون في ذلك خطير، يقول سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة: "يخشى على من فعل هذا واعتاده أن يكون ممن ترك الصلاة تهاوناً والنبي يقول: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"(31). وغير ذلك من النصوص الدالة على عظيم أمر الصلاة وخطر تركها على دين المسلم (32).
إن من مظاهر عدم استشعار خصوصية هذا الشهر: السهر طيلة ليله وهذه كذلك يترتب عليها إضاعة الصلاة وعدم أدائها في وقتها، ويقال فيها ما قيل في العنصر السابق، وهذا السهر محرم إذا ترتب عليه إضاعة الصلاة، ولو كان السهر في شيء مباح، فكيف إذا كان في أمور محرمة كالعكوف على الفضائيات، والنظر والسماع للمحرمات، وعقد الجلسات الطويلة في المقاهي والاستراحات، وإضاعة الأوقات في أحاديث القيل والقال، ولعب الورق واغتياب الناس، والنيل من أعراضهم؟!
إن من مظاهر عدم استشعار خصوصية هذا الشهر وخصوصاً بالنسبة للنساء: الذهاب للأسواق بشكل لافت للأنظار مع سفور وتبرج وضياع للحياء، وفي أحيان كثيرة يكون هذا الذهاب بدون حاجة أو ضرورة بحيث أصبح السوق لوناً من ألوان التسلية والاستمتاع برؤية المعروضات، والأكل والشرب، واللعب مع الأطفال وإضاعة الأوقات، وإهدار الطاقات فيما لا نفع فيه ولا فائدة، فكيف تريد المسلمة أن يكون لشهر رمضان أثر عليها وهي قد تقضي أفضل لياليه العشر الأواخر في الأسواق متعطرة متجملة تزاحم الرجال، وتفتن الشباب، ويتسلط عليها الفساق.
إن خصوصية هذا الشهر خاصة ليالي العشر توجب على المرأة أن تحرص على قضاء حوائجها قبل هذه الليالي المباركة، وبرفقة أحد محارمها في غير أوقات الزحام، واكتظاظ الأسواق.
إن هذه الأمور وغيرها هي التي جعلت رمضان لا يكون له أثر علينا، فلنحرص على البعد عنها، فلا قيمة لطاعة تؤدى دون أن يكون لها أثر من تقوى أو خشية، أين أثر رمضان بعد انقضائه إذا هجر القرآن؟ وتركت الصلاة مع الجماعة وانتهكت المحرمات؟ أين أثر الطاعة إذا أكل الربا وأخذت أموال الناس بالباطل؟ أين أثر الصيام إذا تحايل المسلم في بيعه وشرائه وكذب في ليله ونهاره.
إن علينا أن ننظر إلى حقائق العبادات وآثارها، لا إلى صورها ورسومها؛ إذ كم من مجهد نفسه كان حظه من صيامه الجوع والعطش، وكم من سهر للعبادة كان حظه التعب والسهر.
5- التوبة النصوح:
يقول الله - عز وجل -: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا8 التحريم: 8 يقول ابن كثير في تفسيره: "التوبة النصوح هي: أن يقلع عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على أن لا يفعل في المستقبل"(23) فمن أراد أن يكون لرمضان أثر عليه فلتكن توبته في رمضان نصوحاً لا توبة مؤقتة، يقول فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن ابن جبرين: "كثير من عامة الناس يحافظون على العبادات في أيام رمضان... تجدهم في رمضان يتوبون ولكن توبة مؤقتة فهم في أنفسهم عازمون على العودة إلى المعاصي، ففي رمضان يحافظون على الصلاة، ويتوبون عن الخمر، أو عن الدخان مثلاً، أو عن الاستماع إلى الأغاني والملهيات، ونحو ذلك أو عن بعض الشعارات الباطلة، أو عن الصور الخليعة، أو ما أشبه ذلك؛ ولكن يحدثون أنفسهم أنهم بعد شهر رمضان سيعودون إلى ما كانوا عليه؛ ولهذا يتمنون انقضاء هذه الأيام، وإذا أقبل رمضان حثوا أنفسهم، وتناولوا ما قدروا عليه... فمثل هؤلاء لم يتأثروا بصومهم، فالإنسان يستعيذ بالله أن يكون من هؤلاء الذين ما نفعهم صومهم، ولا زجرهم عن المحرمات، وإذا فعلوا شيئاً من العبادات فعلوها بنية الترك، وإذا تركوا شيئاً من المعاصي تركوها بنية الفعل بعد أن ينفصل الشهر. فالصوم الصحيح هو الذي يحفظ فيه الصائم صيامه فيحفظ البطن وما حوى، والرأس وما وعى، ويذكر الموت والبلى، ويستعد للأخرة بترك زينة الحياة الدنيا، ويترك الشبهات التي أساسها شهوة البطن والفرج، ويذكر بعد ذلك ما نهاه الله عنه عن الشهوات المحرمة في كل وقت، ويذكر أيضاً أن الصوم هو في ترك هذه الشهوات"(34).
من فوائد الصوم:
إن للصيام الصحيح فوائد عديدة منها:
1-إن الصوم الصحيح يجادل عن صاحبه، ويشهد له يوم القيامة، ويشفع له عند الله. يقول: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان"(35) يقول الحافظ ابن رجب: "فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها سواء كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها أو لا يختص به، كشهوة فضول الكلام المحرم، والنظر المحرم، والسماع المحرم، والكسب المحرم، فإذا منعها الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، ويقول: يا رب منعته شهواته فشفعني فيه. فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه شهواته فأما من ضيع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه ويقال له: ضيعك الله كما ضيعتني"(36).
2- الصوم الصحيح يدخل صاحبه الجنة يقول: "إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد"(37).
3- الصوم الصحيح يمنع صاحبه من الوقوع في الشرور والمعاصي يقول النبي: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين"(38) يقول الحافظ ابن حجر: "قوله "وسلسلت الشياطين"... يحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر... فإن قيل: كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيراً فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك؟ فالجواب أنها إنما تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه"(39)، هذا والله أسأل أن يجعل صيامنا جميعاً صياماً صحيحاً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــ